الجمعة، 5 أغسطس 2011

إيران‮.. ‬الكذب أساس الملك

حامد الكناني-صحيفة الوطن البحرينية

كلام مأثور وحكمة قديمة استخدمها رجال السياسة والدين والقضاء في‮ ‬إيران مراراً‮ ‬وتكراراً،‮ ‬حتى تصدرت هذه الحكمة صفحات الدستور والصحف اليومية،‮ ‬وزينت جدران المحاكم والدواوين‮ ”‬العدل أساس الملك‮”‬،‮ ‬حكمة قديمة أثبت التاريخ جمال صدقها،‮ ‬وحاول الفلاسفة والعقلاء في‮ ‬كل العهود أن‮ ‬يحثوا الحكام على تطبيقها،‮ ‬وكانت هذه الحكمة جوهر رسالة الأنبياء والمرسلين،‮ ‬ولتنفيذها أو عدم تنفيذها تأثير مباشر على حياة وسلوك المواطنين في‮ ‬أي‮ ‬دولة،‮ ‬فإذا ساد العدل في‮ ‬أي‮ ‬مجتمع‮ ‬يحل الأمن النفسي‮ ‬والسلام الروحي،‮ ‬ويصبح التسامح والتآخي‮ ‬والتكاتف من أبرز ميزات وصفات ذلك المجتمع،‮ ‬والعكس صحيح؛ أي‮ ‬بمعنى إذا تعرض أي‮ ‬مجتمع للظلم والتنكيل والفقر والحرمان من قبل الحاكم والساسة،‮ ‬فلا تجد للأمن والسلام والطمأنينة في‮ ‬نفوس المواطنين أي‮ ‬أثر‮.‬ ورغم إنني‮ ‬سمعت هذه الحكمة وشاهدتها مكتوبة ومعلقة على الجدران خلف كراسي‮ ‬معظم رجالات السلطة والقضاء في‮ ‬إيران،‮ ‬لكنني‮ ‬وجدتها‮ ‬غائبة في‮ ‬سلوك وتعامل هذه السلطات مع العامة من الناس،‮ ‬ولم تظهر النتائج الإيجابية التي‮ ‬يتركها الالتزام بتطبيق مثل هذه الحكمة في‮ ‬الشارع الإيراني‮.‬ قبل أكثر من ثلاثة عقود،‮ ‬ومن ضواحي‮ ‬العاصمة الفرنسية باريس،‮ ‬خاطب آية الله الخميني‮ ‬أبناء الشعوب في‮ ‬إيران بكلام معسول،‮ ‬ووعدهم بنشر العدالة وترسيخها في‮ ‬البلاد في‮ ‬حال مناصرته،‮ ‬وأنه ليس له أي‮ ‬طمع بالسلطة،‮ ‬وسوف‮ ‬يترك السياسة لأصحابها من أهل الخبرة في‮ ‬حال سقوط النظام الشاهنشاهي‮. ‬ولكن بعدما رحل الشاه الإيراني‮ ‬ونزل الخميني‮ ‬في‮ ‬طهران منتصراً،‮ ‬لم‮ ‬يستمر‮ ”‬ربيع الثورة‮” ‬في‮ ‬إيران إلا ثلاثة أشهر فقط،‮ ‬الربيع الذي‮ ‬عرف فيما بعد في‮ ‬الأوساط السياسية بـ‮”‬ربيع طهران‮”‬،‮ ‬فسرعان ما تنصل الخميني‮ ‬من وعوده،‮ ‬وانقلب الكلام المعسول إلى خطابات و‮”‬فرامين‮” ‬عنيفة أثارت الرعب والخوف في‮ ‬نفوس الناس،‮ ‬وبدأت الاعتقالات في‮ ‬صفوف أبناء الثورة،‮ ‬حتى‮ ‬غصت السجون بالمحتجين،‮ ‬ونفذت الآلاف من عمليات الإعدام بأوامر من الخميني‮ ‬مباشرة‮. ‬فأكلت الثورة أبناءها حسبما‮ ‬يقال،‮ ‬ودخلت إيران في‮ ‬نفق مظلم طال سنوات،‮ ‬وقبل رحيله في‮ ‬الرابع من‮ ‬يونيو‮ ‬‭,‬1989‮ ‬سلم مفاتيح الدولة الإيرانية ومصير شعوبها لأصحاب العمائم،‮ ‬فأصبح هاشمي‮ ‬رفسنجاني‮ ‬رئيساً‮ ‬للجمهورية،‮ ‬واعتلى خامنئي‮ ‬عرش الولاية ليصبح الولي‮ ‬الفقيه المطلق في‮ ‬الجمهورية الإسلامية‮. ‬وبعد تعديل المادة‮ ‬110‮ ‬من الدستور الإيراني،‮ ‬فاقت صلاحيات المرشد خامنئي‮ ‬صلاحيات الملك محمد رضا شاه البهلوي،‮ ‬الذي‮ ‬أطاحت به الثورة الإسلامية،‮ ‬وأصبح مجلس صيانة الدستور تحت رحمة المرشد وصمام أمان بيده،‮ ‬حيث أجاز له هذا التعديل تعيين جميع أعضاء المجلس المذكور،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يمنحه حق الاعتراض على القوانين التي‮ ‬لا‮ ‬يحبذها،‮ ‬وهكذا سيطر المرشد علي‮ ‬خامنئي‮ ‬على مفاصل الدولة الإيرانية‮.‬ وجاء الرئيس أحمدي‮ ‬نجاد عام‮ ‬‭,‬2005‮ ‬واستخدم الأسلوب الذي‮ ‬تعود عليه النظام،‮ ‬أي‮ ‬الكذب،‮ ‬وسيلة لحث الجماهير على المشاركة في‮ ‬الانتخابات الرئاسية الإيرانية،‮ ‬فأطلق الوعود على طريقته الخاصة،‮ ‬وقال للناخبين الإيرانيين إنه سوف‮ ‬يوزع الأموال من عائدات البترول على موائدهم،‮ ‬وتعهد بتحسين معيشة الناس،‮ ‬ومكافحة الفساد،‮ ‬وفسح المجال للشباب،‮ ‬وإعطاء المزيد من الحريات‮. ‬ولكن بعد قرابة ست سنوات من استلامه لرئاسة الحكومة،‮ ‬ماعدا مشروع الإعانات الحكومية الذي‮ ‬تسبب بإغلاق المئات من الشركات التجارية والصناعية،‮ ‬فإنه لم‮ ‬يتحقق أي‮ ‬من هذه الوعود،‮ ‬حيث ازداد الفقر،‮ ‬وارتفع معدل الجريمة،‮ ‬وتضاعفت عمليات تنفيذ أحكام الإعدام في‮ ‬إيران،‮ ‬وتدهورت علاقة إيران بجميع الدول،‮ ‬خاصة الدول العربية المجاورة‮. ‬ وكانت تصريحات الرئيس محمود أحمدي‮ ‬نجاد التي‮ ‬أدلى بها بعد رجوعه من نيويورك في‮ ‬عام‮ ‬2005‮ ‬عندما قال إنه شعر بأنه محاط بـ‮”‬هالة من الضوء‮” ‬وهو‮ ‬يلقي‮ ‬كلمة من على منبر الأمم المتحدة،‮ ‬مثيرة للسخرية في‮ ‬إيران‮. ‬وشجب آية الله‮ ‬يوسف صانعي،‮ ‬رجل الدين الإيراني‮ ‬الإصلاحي‮ ‬المعروف،‮ ‬ما أسماه‮ ”‬نشر الكذب والخرافات لتحقيق أهداف سياسية‮”‬،‮ ‬وذلك في‮ ‬رسالة مبطنة للرئيس الإيراني‮ ‬أحمدي‮ ‬نجاد‮.‬ إنّ‮ ‬الكذب هو وحده من أوصل رجال الدين إلى السلطة في‮ ‬إيران،‮ ‬لأنهم استغلوا معتقدات الناس وصدقهم،‮ ‬فخاطبوا الشعوب بلغتهم،‮ ‬ودغدغوا مشاعرهم،‮ ‬ووعدوهم بحياة أفضل،‮ ‬ورزق أوفر،‮ ‬وعدل أوسع‮. ‬ولأن رجال الدين لا‮ ‬يفقهون في‮ ‬السياسة وفنونها،‮ ‬ولا‮ ‬يفهمون في‮ ‬الاقتصاد والصناعة والتخطيط وبرامج التنمية،‮ ‬كان نصيبهم الفشل في‮ ‬إدارة الدولة،‮ ‬ولم‮ ‬يتمكنوا من تحقيق الوعود التي‮ ‬قطعوها على أنفسهم،‮ ‬فتعكر صفو مزاجهم،‮ ‬وظهرت العصبية في‮ ‬تعاملهم مع المحتجين من أبناء الشعوب،‮ ‬ولجأوا لاستخدام العنف في‮ ‬معالجة الاحتجاجات المطالبة بتنفيذ مواد الدستور التي‮ ‬كتبت بأيدي‮ ‬رجال الدين أنفسهم،‮ ‬فكذبوا واستمروا بالكذب حتى‮ ”‬أصبح الكذب والتزوير هما المحوران الأساسيان في‮ ‬السياسة الإيرانية‮”‬،‮ ‬كما جاء على لسان آية الله علي‮ ‬محمد دستغيب عضو مجلس الخبراء وخطيب الجمعة في‮ ‬مدينة شيراز مركز إقليم فارس‮.‬ قبل بضعة أسابيع،‮ ‬اجتمع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني‮ ‬السيد هاشمي‮ ‬رفسنجاني‮ ‬بمسؤولين وعلماء إيرانيين وقال‮ ”‬الكذب هو الذي‮ ‬أدى لاتساع دائرة الفساد والمنكر في‮ ‬المجتمع الإيراني،‮ ‬فحبل الكذب قصير للغاية‮”‬،‮ ‬وتابع رفسنجاني‮ ”‬إن الإنجازات الوهمية،‮ ‬ونشر الإحصاءات المزورة،‮ ‬ومصادرة أصوات الناخبين،‮ ‬وسرقة المال العام،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬وراء فقدان ثقة المجتمع الإيراني‮ ‬بالنظام‮”.‬ وبعد هذا التصريح،‮ ‬تعرض رفسنجاني‮ ‬لهجوم عنيف من قبل خطيب صلاة الجمعة المتشدد والمقرب من المرشد خامنئي‮ ‬في‮ ‬طهران السيد أحمد خاتمي،‮ ‬حيث قال‮: ‬هذا كذب وافتراء،‮ ‬والمجتمع لم‮ ‬يفقد ثقته بالنظام الإسلامي‮ ‬أبداً‮! ‬ ولم‮ ‬يسلم هاشمي‮ ‬رفسنجاني‮ ‬من هجوم آخر جاء في‮ ‬سياق مقابلة صحافية للدكتور أبوالحسن بني‮ ‬صدر،‮ ‬وهو أول رئيس جمهورية لإيران لجأ إلى فرنسا عام‮ ‬1981م بعدما تآمر عليه هاشمي‮ ‬رفسنجاني‮ ‬وخامنئي‮ ‬المرشد الحالي،‮ ‬حيث قال بني‮ ‬صدر لصحيفة‮ ”‬خود نويس‮” ‬الناطقة باللغة الفارسية‮: ”‬إن رفسنجاني‮ ‬هو أول من أسس للكذب والتزوير في‮ ‬النظام الإيراني‮!”.‬ ما أردت أن أصل إليه هو أن الكذب السياسي‮ ‬في‮ ‬إيران أدى إلى شرعنة العنف،‮ ‬وبدل أن‮ ‬يكون‮ ”‬العدل أساس للملك‮” ‬في‮ ‬الجمهورية الإسلامية،‮ ‬أصبح‮ ”‬الكذب‮” ‬هو المحور الأساسي‮ ‬لهذه الجمهورية،‮ ‬التي‮ ‬تحاول أن تصدّر نموذجها الفاشل للدول العربية،‮ ‬حتى ولو اضطرت لاستخدام‮ ”‬الكذب النووي‮” ‬في‮ ‬المستقبل